تفسير الشعراوي مكتوب | سورة البقرة |تفسير الآيات من 47 الي 50 | تفسير القران الكريم

اذهب الى الأسفل

تفسير الشعراوي مكتوب | سورة البقرة |تفسير الآيات من 47 الي 50 | تفسير القران الكريم  Empty تفسير الشعراوي مكتوب | سورة البقرة |تفسير الآيات من 47 الي 50 | تفسير القران الكريم

مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مايو 16, 2017 3:59 am

تفسير الشعراوي مكتوب | سورة البقرة |تفسير الآيات من 47 الي 50 | تفسير القران الكريم  149238679909541

تفسير الآية رقم (47):

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)}
يدّعي بعض الناس أن هناك تكراراً. للآيات السبع التي سبق فيها تذكير بني إسرائيل. نقول: لا. لم تتكرر هذه الآيات.. وهي قوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بعهدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فارهبون وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تكونوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فاتقون وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل وَتَكْتُمُواْ الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة واركعوا مَعَ الراكعين أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكتاب أَفَلاَ تَعْقِلُونَ واستعينوا بالصبر والصلاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 40-46].
هذه الآيات السبع كلها تذكر بني إسرائيل. برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي جاء وصف صفاته وزمنه في التوراة ولتذكيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هو نعمة إليهم وإلى الناس جميعا. وإذا كان الله قد فضل بني إسرائيل بأن أرسل رسلا. فليس معنى ذلك أن ينكروا نعمة الله عليهم بالرسول الخاتم. وبما أن أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرت في التوراة وطلب منهم أن يؤمنوا به وينصروه فإن عدم إيمانهم به هو كفر بالتوراة. كما أن الإنجيل بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم وطلب منهم أن يؤمنوا به. فعدم إيمانهم به كفر بالإنجيل.
وقوله تعالى: {اذكروا نِعْمَتِي التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} أي اذكروا أنني جعلت في كتابكم ما يثبت صدق محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته. والمعنى اذكروا نعمتي بأني فضلتكم على العالمين ممن عاصروكم وقت نزول رسالة موسى. وجعلت منكم الأنبياء.
ومادام الحق سبحانه وتعالى.. قد فضلهم على العالمين.. فكيف يمّن عليهم؟ نقول الّمن هنا لشدة النكاية بهم. فالله سبحانه وتعالى. لشدة معصيتهم وكفرهم جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت.
واقرأ قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنْكُمْ فِي السبت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65].
وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير وَعَبَدَ الطاغوت أولئك شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السبيل} [المائدة: 60].
فالله سبحانه وتعالى يبين لنا كيف كفر بنو إسرائيل بأنبيائهم وقتلوهم. رغم أن الله تعالى أعطاهم خيرا كثيرا.. ولكنهم نكثوا العهد.. فاستحقوا العذاب. فهم لم يجعلوا نعمة الله عليهم سببا في إخلاصهم والإيمان به سبحانه وتصديق منهجه. وتصديق الرسول الخاتم الذي ذكر عندهم في التوراة. كان يجب أن يؤمنوا بالله وأن يذكروا نعمه الكثيرة التي تفضل بها عليهم.
والحق يريد أن يلفتنا إلى أنه مادام قد أنعم عليهم.
فلا يظنون أنهم غير مطالبين بالإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام. إنما كان لابد أن يفهموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليصحح لهم كتابهم. ويوضح لهم الطريق الصحيح.. فكان يجب عليهم أن ينصروه. والنعمة لا يمكن أن تستمر مع الكفر بها. وحتى لا نظن أن الله سبحانه وتعالى قد قسا عليهم بأن جعلهم أمما متفرقة في الأرض كلها. ثم بعد ذلك يجمعون في وطن واحد ليقتلوا.. واقرأ قوله تعالى: {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا الأرض} [الإسراء: 104].
أي أرض تلك التي طلب الله سبحانه وتعالى من بني إسرائيل أن يسكنوها؟ مادام الحق سبحانه وتعالى قال: {اسكنوا الأرض} فهي الأرض كل الأرض. وهل تكون الأرض كلها وطنا لليهود. طبعاً لا. ولكن الحق سبحانه كتب عليهم أن يتفرقوا في الأرض. فلا تكون لهم دولة إلا عندما يشاء الله أن يجمعهم في مكان واحد. ثم يسلط عليهم عباده المؤمنين. والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} [الإسراء: 4-6].
هذه هي المرة الأولى التي انتصر فيها المسلمون على اليهود. يقول الحق سبحانه وتعالى. {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ} ومادام الحق سبحانه وتعالى قال عليهم فهي على المسلمين. لأنهم هم الذين انتصروا على اليهود. وقوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} معناها أنهم ينتصرون على المسلمين وهذا ما هو حادث الآن، وما شاهدناه وما نشاهده في الفترة الأخيرة. أي أن المدد والقوة تأتيهم من الخارج وليس من ذاتهم.
ونحن نرى أن إسرائيل قائمة على جلب المهاجرين اليهود من الدول الأخرى وجلب الأموال والمساعدات من الدول الأخرى أيضا. أي أن كل هذا يأتيهم بمدد من الخارج. وإسرائيل لا تستطيع أن تعيش إلا بالمهاجرين إليها. وبالمعونات التي تأتيها. فالمدد لابد أن يأتي من الخارج. إذا كانت هناك معركة وطلب قائد المدد.. فمعناه أنه يريد رجالا يأتونه من خارج أرض المعركة ليصبحوا مددا وقوة لهذا الجيش. وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} النفير هو الصوت العالي الذي يجذب الانتباه. ونحن نرى الآن أن إسرائيل تسيطر على وسائل الإعلام والدعاية في العالم. وأن صوتها عال ومسموع.. ويقول الحق سبحانه وتعالى: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.. ومعنى هذا أن المسجد الأقصى سيضيع من المسلمين ويصبح تحت حكم اليهود فيأتي المسلمون ويحاربونهم ويدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ويقول الله تعالى: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} واللفيف هو الجمع غير المتجانس.
الذي يتنافر مع نفسه ومع من حوله. وبما أن الله سبحانه وتعالى قد قضى أن يحدث قتال بين اليهود وبين المسلمين.. يستعيد فيه المسلمون المسجد الأقصى. فكان لابد أن يجمعهم في مكان واحد. لأنهم لو بقوا كجاليات متفرقة في كل دول العالم ومعزولة عن المجتمعات التي يعيشون فيها لاقتضى ذلك أن يحارب المسلمون العالم كله. ولكن الله سبحانه وتعالى سيأتي بهم من كل دولة إلى المكان الذي فيه بيت المقدس حتى يمكن أن يحاربهم المسلمون، وأن يدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة.
فالحق سبحانه وتعالى يذكر بني إسرائيل بنعمه عليهم. وبمعاصيهم وكفرهم حتى لا يقول أحد إن الله سبحانه كان قاسيا عليهم لأنهم هم الذين كفروا. وهم الذين عصوا وأفسدوا في الأرض. فاستحقوا هذا العقاب من الله سبحانه وتعالى.
.تفسير الآية رقم (48):

{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}
قوله تعالى: {واتقوا يَوْماً} يذكرهم بهذا اليوم. وهو يوم القيامة الذي لا ينفع الإنسان فيه إلا عمله. ويطلب الحق سبحانه وتعالى منهم أن يجعلوا بينهم وبين صفات الجلال لله تعالى في ذلك اليوم وقاية.
إن هناك آية أخرى تقول: {واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة: 123].
وهذه الآية وردت مرتين. وصدر الآيتين متفق. ولكن الآية الأولى تقول: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} والآية الثانية: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} هل هذا تكرار؟ نقول لا. والمسألة تحتاج إلى فهم. فالآيتان متفقتان في مطلعهما: في قوله تعالى: {واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً}.
ففي الآية الأولى قدم الشفاعة وقال: لا يقبل. والثانية أخر الشفاعة وقال لا تنفع. الشفاعة في الآية الأولى مقدمة. والعدل متأخر، وفي الآية الثانية العدل مقدم والشفاعة مؤخرة.. وفي الآية الأولى لا يقبل منها شفاعة. وفي الآية الثانية.. لا تنفعها شفاعة. والمقصود بقوله تعالى: {اتقوا يَوْماً} هو يوم القيامة الذي قال عنه سبحانه وتعالى: {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19].
وقوله تعالى: {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} كم نفسا هنا؟ إنهما اثنتان. نفس عن نفس. هناك نفس أولى ونفس ثانية. فما هي النفس الأولى؟ النفس الأولى هي الجازية. والنفس الثانية.. هي المجزي عنها.. ومادام هناك نفسان فقوله تعالى: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} هل من النفس الأولى أو الثانية؟
إذا نظرت إلى المعنى فالمعنى أنه سيأتي إنسان صالح في يوم القيامة ويقول يا رب أنا سأجزي عن فلان أو أغني عن فلان أو أقضي حق فلان. النفس الأولى أي النفس الجازية تحاول أن تتحمل عن النفس المجزي عنها.
ولكي نقرب المعنى ولله المثل الأعلى نفترض أن حاكما غضب على أحد من الناس وقرر أن ينتقم منه أبشع انتقام. يأتي صديق لهذا الحاكم ويحاول أن يجزي عن المغضوب عليه. فبما لهذا الرجل من منزلة عند الحاكم يحاول أن يشفع للطرف الثالث. وفي هذه الحالة إما أن يقبل شفاعته أو لا يقبلها. فإذا لم يقبل شفاعته فإنه سيقول للحاكم أنا سأسدد ما عليه.. أي سيدفع عنه فدية، ولا يتم ذلك إلا إذا فسدت الشفاعة.
فإذا كانت المسألة وفي يوم القيامة ومع الله سبحانه وتعالى.. يأتي إنسان صالح ليشفع عند الله تبارك وتعالى لإنسان أسرف على نفسه. فلابد أن يكون هذا الإنسان المشفع من الصالحين حتى تقبل شفاعته عند الحق جل جلاله.
واقرأ قوله سبحانه: {مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه} [البقرة: 255].
وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28].
والإنسان الصالح يحاول أن يشفع لمن أسرف على نفسه فلا تقبل شفاعته ولا يؤخذ منه عدل ولا يسمح لها بأي مساومة أخرى. إذن لا يتكلم عن العدل في الجزاء إلا إذا فشلت الشفاعة.
هنا الضمير يعود إلى النفس الجازية. أي التي تتقدم للشفاعة عند الله. فيقول الحق سبحانه وتعالى: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} فلا يقبل منها أي مساومة أخرى. ويقول سبحانه: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}. وهذا ترتيب طبيعي للأحداث.
في الآية الثانية يتحدث الله تبارك وتعالى عن النفس المجزي عنها قبل أن تستشفع بغيرها وتطلب منه أن يشفع لها. لابد أن تكون قد ضاقت حيلها وعزت عليها الأسباب. فيضطر أن يذهب لغيره. وفي هذا اعتراف بعجزه. فيقول يا رب ماذا أفعل حتى أكفر عن ذنوبي فلا يقبل منه. فيذهب إلى من تقبل منهم الشفاعة فلا تقبل شفاعتهم.
وإذا أردنا أن نضرب لذلك مثلا من القرآن الكريم فاقرأ قول الحق تبارك وتعالى: {وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12].
هؤلاء هم الذين يطلبون العدل من الله. بأن يعيدهم إلى الدنيا ليكفروا عن سيئاتهم. ويعملوا عملا صالحا ينجيهم من العذاب. ذلك أن الحسنات يذهبن السيئات.
فماذا كان رد الحق سبحانه وتعالى عليهم. قال جل جلاله: {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الخلد بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة: 14].
فهم عرضوا أن يكفروا عن سيئاتهم. بأن طلبوا العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحا. فلم يقبل الله سبحانه وتعالى منهم هذا العرض. اقرأ قوله تبارك وتعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأعراف: 53].
لقد طلب هؤلاء الشفاعة أولا ولم تقبل. فدخلوا في حد آخر وهو العدل فلم يؤخذ مصداقا لقوله تعالى: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}.. وهكذا نرى الاختلاف في الآيتين. فليس هناك تكرار في القرآن الكريم.
ولكن الآية التي نحن بصددها تتعلق بالنفس الجازية. أو التي تريد آن تشفع لمن أسرف على نفسه: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}. والآية الثانية: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ}. أي أن الضمير هنا عائد على النفس المجزي عنها. فهي تقدم العدل أولا: {ارجعنا نَعْمَلْ صَالِحاً} فلا يقبل منها، فتبحث عن شفعاء فلا تجد ولا تنفعها شفاعة.
وهذه الآيات التي أوردناها من القرآن الكريم كلها تتعلق بيوم القيامة.
على أن هناك مثلا آخر في قوله تعالى: {وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151].
والآية الثانية في قوله سبحانه: {وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} [الإسراء: 31].
يقول بعض الناس إن (نرزقكم) في الآية الأولى (ونرزقهم) في الآية الثانية من جمال الأسلوب. نقول لا. قوله تعالى: {وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ} أي من فقر موجود. ومادام الفقر موجودا فالإنسان لا يريد أولادا ليزداد فقره. ولذلك قال له الحق سبحانه وتعالى: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}. أي أن مجيء الأولاد لن يزيدكم فقرا. لأن لكم رزقكم ولهم رزقهم. وليس معنى أن لهم رزقهم أن ذلك سينقص من رزقكم.. فللأب رزق وللولد رزق. أما في الآية الثانية: {وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} فكأن الفقر غير موجود. ولكنه يخشى أن رزق بأولاد بأنه الفقر. يقول له الحق: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم}. أي أن رزقهم سيأتيهم قبل رزقكم.
فعندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى: {اتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} مكررة في الآيتين لا تظن أن هذا تكرار. لأن إحداهما ختامها: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}. والثانية: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ}. فالضمير مختلف في الحالتين. مرة يرجع إلى النفس الجازية فقدم الشفاعة وأخر العدل. ولكن في النفس المجزي عنها يتقدم العدل وبعد ذلك الشفاعة.
الحق سبحانه وتعالى يقول: {ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان: 33].
أي أن الإنسان لا يمكن أن يجزى عن إنسان مهما بلغت قرابته.. لا يجزى الولد عن أمه أو أبيه. أو يجزى الوالد عن أولاده. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرئ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34-37].
وقول الحق سبحانه وتعالى: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ}: {لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}. العدل هو المقابل. كأن يقول المسرف على نفسه يا رب فعلت كذا وأسرفت على نفسي فأعدني إلى الدنيا أعمل صالحا. وكلمة العدل مرة تأتي بكسر العين وهي مقابل الشيء من جنسه. أي أن يعدل القماش قماش مثله ويعدل الذهب ذهب مثله. وعدل بفتح العين مقابل الشيء ولكن من غير جنسه. والعدل معناه الحق والعدل لا يكون إلا بين خصمين. ومعناه الإنصاف ومعناه الحق. والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير. وأنك لا تتحيز لجهة على حساب جهة أخرى. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يجلس مع أصحابه يوزع نظره إلى كل الجالسين.. حتى لا يقال أنه مهتم بواحد منهم عن الآخر.
ولابد أن نعرف ما هي النفس.
كلمة النفس إذا وردت في القرآن الكريم. فافهم أن لها علاقة بالروح. حينما تتصل الروح بالمادة وتعطيها الحياة توجد النفس. المادة وحدها قبل أن تتصل بها الروح تكون مقهورة ومنقادة مسبحة لله. فلا تقل الحياة الروحية والحياة المادية. لأن الروح مسبحة والمادة مسبحة. ولكن عندما تلتقي الروح بالمادة وتبدأ الحياة وتتحرك الشهوات يبدأ الخلل. والموت يترتب عليه خروج الروح من الجسد. الروح تذهب إلى عالمها التسخيري. والمادة تذهب إلى عالمها التسخيري. وذلك يجعلنا نفهم قول الحق سبحانه وتعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النور: 24].
لماذا تشهد؟ لأنها لم تعد مسخرة للإنسان تتبع أوامره في الطاعة والمعصية. فحواسك مسخرة لك بأمر الله في الحياة الدنيا وهي مسبحة وعابدة. فإذا أطاعتك في معصية فإنها تلعنك لأنك أجبرتها على المعصية فتأتي يوم القيامة وتشهد عليك. والله سبحانه وتعالى يقول: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7-8].
ولقد شاع عند الناس لفظ الحياة المادية والحياة الروحية. لأن الحياة الروحية تختلف عن الروح التي في جسدك. وهي تنطبق على الملائكة مصداقا لقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} [الشعراء: 193].
وقوله جل جلاله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52].
هذه هي الروح التي فيها النقاء والصفاء. وقوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ}. أي أن الله سبحانه وتعالى إذا أقضى عليهم العذاب لا يستطيع أحد نصرهم أو وقف عذابهم. لا يمكن أن يحدث هذا. لأن الأمر كله لله.

تفسير الآية رقم (49):

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)}
بعد أن حذر الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل من يوم لا تنفع فيه الشفاعة. أراد أن يذكرهم بفضله عليهم وبنعمه. قوله تعالى: (إذ) هي ظرف لشيء وسبق أن قلنا أن الظرف نوعان. لأن كل حدث من الأحداث يحتاج إلى زمان يقع فيه وإلى مكان يقع فيه. وعندما أقول لك إجلس مكانك. هذا الظرف يراد به المكان. وعندما يخاطب الله عز وجل عباده: أذكر إذ فعلت كذا. أي اذكر وقت أن فعلت كذا ظرف زمان. وقول الحق تبارك وتعالى: (وإذ نجيناكم) أي اذكروا الوقت الذي نجاكم فيه من فرعون.
والآية التي نحن بصددها وردت ثلاث مرات في القرآن الكريم. قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49].
{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ} [الأعراف: 141].
وقوله جل جلاله في سورة إبراهيم: {إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ} [إبراهيم: 6].
الاختلاف بين الأولى والثانية هو قوله تعالى في الآية الأولى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ}. وفي الثانية: {يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ}. (ونجينا) في الآية الأولى: (وأنجينا) في الآية الثانية. ما الفرق بين نجينا وأنجينا؟ هذا هو الخلاف الذي يستحق أن تتوقف عنده.. في سورة البقرة: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ}.. الكلام هنا من الله. أما في سورة إبراهيم فنجد {اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ}.
الكلام هنا كلام موسى عليه السلام. ما الفرق بين كلام الله سبحانه وتعالى وكلام موسى؟.
إن كلام موسى يحكي عن كلام الله. إن الله سبحانه وتعالى حين يمتن على عباده يمتن عليهم بقمم النعمة، ولا يمتن بالنعم الصغيرة. والله تبارك وتعالى حين امتن على بني إسرائيل قال: {نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ}. ولم يتكلم عن العذاب الذي كان يلاقيه قوم موسى من آل فرعون. إنهم كانوا يأخذونهم أجراء في الأرض ليحرثوا وفي الجبال لينحتوا الحجر وفي المنازل ليخدموا. ومن ليس له عمل يفرضون عليه الجزية. ولذلك كان اليهود يمكرون ويسيرون بملابس قديمة حتى يتهاون فرعون في أخذ الجزية منهم. وهذا معنى قول الحق سبحانه وتعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة} [البقرة: 61].
أي أنهم يتمسكون ويظهرون الذلة حتى لا يدفعوا الجزية. ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يمتن عليهم بأنه أنجاهم من كل هذا العذاب. بل يمتن عليهم بقمة النعمة. وهي نجاة الأبناء من الذبح واستحياء النساء. لأنهم في هذه الحالة ستستذل نساؤهم ورجالهم. فالمرأة لا تجد رجلا يحميها وتنحرف.
كلمة نجَّى وكلمة أنجى بينهما فرق كبير.
كلمة نَجَّى تكون وقت نزول العذاب. وكلمة أنجى يمنع عنهم العذاب. الأولى للتخليص من العذاب والثانية يبعد عنهم عذاب فرعون نهائيا. ففضل الله عليهم كان على مرحلتين. مرحلة أنه خلصهم من عذاب واقع عليهم. والمرحلة الثانية أنه أبعدهم عن آل فرعون فمنع عنهم العذاب.
قوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب} ما هو السوء؟ إنه المشتمل على ألوان شتى من العذاب كالجلد والسخرة والعمل بالأشغال الشاقة. ما معنى يسوم؟ يقال سام فلان خصمه أي أذله وأعنته وأرهقه. وسام مأخوذة من سام الماشية تركها ترعى. لذلك سميت بالسام أي المتروكة. وعندما يقال إن فرعون يسوم بني إسرائيل سوء العذاب. معناها أن كل حياتهم ذل وعذاب.. فتجد أن الله سبحانه وتعالى عندما يتكلم عن حكام مصر من الفراعنة يتكلم عن فراعنة قدماء كانوا في عهد عاد وعهد ثمود. واقرأ قوله تعالى: {والفجر وَلَيالٍ عَشْرٍ والشفع والوتر والليل إِذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ العماد التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد الذين طَغَوْاْ فِي البلاد فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد} [الفجر: 1-12].
أي أن الله تبارك وتعالى جاء بحضارة الفراعنة وقدماء المصريين بعد عاد وثمود. وهذا دليل على أن حضارة عاد وثمود قديمة. والله سبحانه وتعالى وصف عادا بأنها التي لم يخلق مثلها في البلاد. أي أنها حضارة أرقى من حضارة قدماء المصريين.
قد يتساءل بعض الناس كيف يصف الله سبحانه وتعالى عادا بأنها التي لم يخلق مثلها في البلاد. مع أنه يوجد الآن حضارات متقدمة كثيرة.
نقول إن الله قد كشف لنا حضارة الفراعنة وآثارهم. ولكنه أخفى عنا حضارة عاد. ولقد وجدنا في حضارة الفراعنة أشياء لم نصل إليها حتى الآن. مثل براعتهم في تحنيط الموتى والمحافظة على الجثث. وبناء الأهرامات وغير ذلك. وبما أن حضارة عاد كانت أرقى من حضارة الفراعنة. فإنها تكون قد وصلت إلى أسرار مازالت خافية على العالم حتى الآن. ولكنا لا نعرف شيئا عنها، لأن الله لم يكشف لنا آثارها.
ولقد تحدث الحق تبارك وتعالى عن الفراعنة باسم فرعون. وتكلم عنهم في أيام موسى باسم آل فرعون. ولكن الزمن الذي كان بين عهدي يوسف وموسى لم يسم ملك مصر فرعون، إنما سماه العزيز الذي هو رئيس الوزراء ورئيسه الملك. وقال الحق تبارك وتعالى: {وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ} [يوسف: 50].
إذن فالحاكم أيام يوسف كان يسمى ملكا ولم يسم فرعون. بينما حكام مصر قبل يوسف وبعده كانوا يلقبون بفرعون. ذلك لأنه قبل عهد يوسف عليه السلام حكم مصر الهكسوس أهل بني إسرائيل.
فقد أغاروا على مصر وانتصروا على الفراعنة. وحكموا مصر سنوات حتى تجمع الفراعنة وطردوهم منها.
والغريب أن هذه القصة لم تعرف إلا بعد اكتشاف حجر رشيد، وفك رموز اللغة الهيروغليفية. وكان ملوك الهكسوس من الرعاة الذين استعمروا مصر فترة. ولذلك نرى في قصة يوسف عليه السلام قول الله سبحانه وتعالى: {وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ}.
وهكذا نعلم أن القرآن الكريم قد روى بدقة قصة كل حاكم في زمنه. وصف الفراعنة بأنهم الفراعنة. ثم جاء الهكسوس فلم يكن هناك فرعون ولكن كان هناك ملك. وعندما جاء موسى كان الفراعنة قد عادوا لحكم مصر. فإذا كان هذا الأمر لم نعرفه إلا في مطلع القرن الخامس. عندما اكتشف الفرنسيون حجر رشيد، ولكن القرآن أرخ له التاريخ الصحيح منذ أربعة عشر قرنا. وهذه معجزة تنضم لمعجزات كبيرة في القرآن الكريم عن شيء كان مجهولا وقت نزول القرآن وأصبح معلوما الآن. لنجد أن القرآن جاء به في وضعه الصحيح والسليم.
بعد أن تحدثنا عن الفرق بين نجيناكم وأنجيناكم. نتحدث عن الفرق بين {يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ}. و{يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ}.. الذبح غير القتل.. الذبح لابد فيه من إراقة دماء. والذبح عادة يتم بقطع الشرايين عند الرقبة، ولكن القتل قد يكون بالذبح أو بغيره كالخنق والإغراق. كل هذا قتل ليس شرطا فيه أن تسفك الدماء.
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن فرعون حينما أراد أن ينتقم من ذرية بني إسرائيل انتقم منهم انتقامين.. انتقاما لأنهم كانوا حلفاء للهكسوس وساعدوهم على احتلال مصر. ولذلك فإن ملك الهكسوس اتخذ يوسف وزيرا. فكأن الهكسوس كانوا موالين لبني إسرائيل. وعندما انتصر الفراعنة انتقموا من بني إسرائيل بكل وسائل الانتقام. قتلوهم وأحرقوا عليهم بيوتهم.
أما مسألة الذبح في قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ} فلقد رأى فرعون نارا هبت من ناحية بيت المقدس فأحرقت كل المصريين ولم ينج منها غير بني إسرائيل. فلما طلب فرعون تأويل الرؤيا. قال له الكهان يخرج من ذرية إسرائيل ولد يكون على يده نهاية ملكك. فأمر القوابل (الدايات) بذبح كل مولود ذكر من ذرية بني إسرائيل. ولكن قوم فرعون الذين تعودوا السلطة قالوا لفرعون: إن بني إسرائيل يوشك أن ينقرضوا وهم يقومون بالخدمات لهم. فجعل الذبح سنة والسنة الثانية يبقون على المواليد الذكور. وهارون ولد في السنة التي لم يكن فيها ذبح فنجا. وموسى ولد في السنة التي فيها ذبح فحدث ما حدث.
إذن سبب الذبح هو خوف فرعون من ضياع ملكه. وفرض الذبح حتى يتأكد قوم فرعون من موت المولد. ولو فعلوه بأي طريقة أخرى كأن القوة من فوق جبل أو ضربوه بحجر غليظ. أو طعنوه بسيف أو برمح قد ينجو من الموت. ولكن الذبح يجعلهم يتأكدون من موته في الحال فلا ينجو أحد.
والحق يقول: {يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ}. كلمة الابن تطلق على الذكر، ولكن الولد يطلق على الذكر والأنثى. ولذلك كان الذبح للذكور فقط. أما النساء فكانوا يتركونهن أحياء.
ولكن لماذا لم يقل الحق تبارك وتعالى يذبحون أبناءكم ويستحيون بناتكم بدلا من قوله يستحيون نساءكم. الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن الفكرة من هذا هو إبقاء عنصر الأنوثة يتمتع بهن آل فرعون. لذلك لم يقل بنات ولكنه قال نساء. أي أنهم يريدونهن للمتعة وذلك للتنكيل ببني إسرائيل. ولا يقتل رجولة الرجل إلا أنه يرى الفاحشة تصنع في نسائه.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَفِي ذَلِكُمْ بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}. ما هو البلاء؟ بعض الناس يقول إن البلاء هو الشر. ولكن الله تبارك وتعالى يقول: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}
إذن هناك بلاء بالخير وبلاء بالشر. والبلاء كلمة لا تخيف. أما الذي يخيف هو نتيجة هذا البلاء؛ لأن البلاء هو امتحان أو اختبار. إن أديته ونجحت فيه كان خيرا لك. وأن لم تؤده كان وبالا عليك. والحق سبحانه وتعالى يقول في خليله إبراهيم: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [البقرة: 124].
فإبراهيم نجح في الامتحان، والبلاء جاء لبني إسرائيل من جهتين.. بلاء الشر بتعذيبهم وتقتيلهم وذبح أبنائهم. وبلاء الخير بإنجائهم من آل فرعون. ولقد نجح بنو إسرائيل في البلاء الأول. وصبروا على العذاب والقهر وكان بلاء عظيما. وفي البلاء الثاني فعلوا أشياء سنتعرض لها في حينها.
.تفسير الآية رقم (50):

{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)}
مرة ثانية تأتي (وإذ). ويأتي الانجاء وسيلة. هذه الوسيلة ذكرتها الآية الكريمة. فقد خرج موسى وقومه وكانوا ستمائة ألف كما تقول الروايات. وعرف فرعون بخروجهم فخرج وراءهم على رأس جيش من ألف ألف (مليون). عندما رآهم قوم موسى كما يروي لنا القرآن الكريم: {قالوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف: 129].
وقال لهم موسى كما جاء في الكتاب العزيز: {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129].
وعندما جاء قوم فرعون بعددهم الضخم يقاومون قوم موسى وتراءى الجمعان أي أنهم رأوهم رؤية العين قال قوم موسى (أنا لمدركون).
وهذا كلام منطقي. فأمامهم البحر ووراءهم فرعون وجنوده. ولكن حين تخرج الأحداث من نطاق الأسباب إلى قدرة المسبب فهي لا تخضع لأسباب الكون. ولذلك قال لهم موسى بملء فمه: {قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.
وبذلك نقل المسألة من الأسباب إلى المسبب تبارك وتعالى. فبمنطق الأحداث يكون فرعون وجنوده سيدركونهم. ولكن بمنطق الحق سبحانه وتعالى فإنه سيهيئ لهم طريق النجاة.
وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى بأن يضرب بعصاه البحر فانفرق. وهكذا توقف قانون الماء وهو الاستطراق والسيولة. وانفرق البحر وأصبح كل جزء منه كالجبل. ذرات الماء تماسكت مع بعضها البعض لتكون جبلين كبيرين بينهما يابس يمر منه بنو إسرائيل.
هذا هو معنى قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر} والفرق هو الفصل بين شيئين.. وإذا كان البحر قد انشق.. فأين ذهب الطين المبتل في قاع البحر؟.. قالوا إن الله أرسل ريحا مرت عليه فجففته. ولذلك قال الحق جل جلاله: {طَرِيقاً فِي البحر يَبَساً}
ويقال إنه حين كان موسى وقومه يعبرون البحر سألوا عن بقية إخوانهم. فقال لهم موسى أنهم في طرق أخرى موازية لطريقنا. قالوا نريد أن نطمئن عليهم. فرفع موسى يده إلى السماء وقال اللهم أَعِنِّي على أخلاقهم السيئة. فأوحى الله إلى موسى أن يضرب بعصاه الحواجز فانفتحت طاقة بين كل ممر. فكانوا يرون بعضهم بعضا.
وعندما رأى موسى عليه السلام فرعون وجيشه يتجهون إلى البحر ليعبروه. أراد أن يضرب البحر ليعود إلى السيولة. فلا يلحق بهم آل فرعون. ولكن الله أوحى إليه: {واترك البحر رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} [الدخان: 24].
أي اترك البحر على ما هو عليه. حتى يتبعكم قوم فرعون. ظانين أنهم قادرون على أن يسلكوا نفس الطريق ويمشوا فيه. وحينما يكون أولهم قريبا من شاطئكم وآخرهم عند الشاطئ الآخر. أعيد الماء إلى استطراقه. فأكون قد أنجيت وأهلكت بالسبب الواحد. فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يمن على بني إسرائيل بأنه أنجاهم من العذاب وأهلك عدوهم.
فكان العطاء عطاءين. عطاء إيجاب بأن أنجاهم. وعطاء سلب بأن أهلك عدوهم.
وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} في هذه الآية لم يتحدث الحق جل جلاله عن فرعون. وإنما حدث عن إغراق آل فرعون. لماذا؟ لأن آل فرعون هم الذين أعانوه على جبروته وبطشه وطغيانه. هم الأداة التي استخدمها لتعذيب بني إسرائيل.
والله سبحانه وتعالى أراد أن يرى بنو إسرائيل آل فرعون وهم يغرقون فوقفوا يشاهدونهم. وأنت حين ترى مصرع عدوك. تشعر بالمرارة التي في قلبك تزول. {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} تحتمل معنى آخر. أي ينظر بعضكم إلى بعض وأنتم غير مصدقين أنكم نجوتم من هذا البلاء العظيم. وفي نفس الوقت تطمئنون وأنتم تشاهدونهم. وهم يغرقون دون أن ينجو منهم أحد حتى لا يدخل في قلوبكم الشك. أنه ربما نجى بعضهم وسيعودون بجيش ليتبعوكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تفسير الشعراوي مكتوب | سورة البقرة |تفسير الآيات من 47 الي 50 | تفسير القران الكريم  Almstba.co_1371578227_178





للوصول الي منفذ الدردشة  وتصفح جميع اقسام الموقع يرجا الضغط  هنــــــا او زيارة موقعنا الجديد بالبحث في جوجل عن دردشة ساحر او الدخول المباشر من خلال الرابط التالي:  http://sa7er.com
                                    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولظهور جميع روابط التحميل المباشره والاستمتاع بمزيا اخري يرجا التسجيل بالمنتدي اولا
                           ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
flower  flower  flower  flower  jocolor  jocolor  jocolor  jocolor  jocolor  jocolor  flower  flower  flower  flower
                   ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اول موقع عربي شامل

ساحر دردشة كتابية

موقع ساحر تحميل مباشر

تحميل برامج كمبيوتر برابط مباشر

مشاهدة وتحميل افلام اجنبي اون لاين رابط مباشر

مشاهدة وتحميل افلام عربي اون لاين رابط مباشر

مشاهدة وتحميل افلام هندي اون لاين رابط مباشر

اغاني  تحميل واستماع مباشر

مسلسلات

القران الكريم كاملا برابط واحد مباشر

تفسير القران الكريم

تحميل واستماع ادعية والرقية الشرعية

الصحة واللياقة

العاب كمبيوتر كاملا

وصفات طبخ جديدة وصحية

وصفات حلويات جديدة  قسم الحلويات

اسلاميات

منتديات

مقالات - مقالات اسلامية

العاب هواتف برامج وتطبيقات الجوال

جوال هواتف محمول

نغمات ورسائل للجوال والهواتف المحموله

كل ما يخص الايفون - ايفون

صور

تعارف

الشعر والخواطر

الاخبار اخر اخبار العالم

المراة والاسرة كل ما هو يخص المراه والاسرة العربية

الموضة والجمال

الابداع

الترفيه والمسابقات

حلول مشاكل الكمبيوتر والانترنت

وكل ما هو جديد تجده لدينا

http://sa7er.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 1100
تاريخ التسجيل : 08/03/2017

https://sa7ir.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى